أرشيف
كاتب من غزة ينتهي به الأمر بائعاً على “بسطة”: “أخجل حين يمر أحد زملائي”
حين نسمع كلمة “كاتب” أو “أديب”، ترتسم تلقائياً صورة كلاسيكية في خيالنا لشخص أنيق، عميق التفكير، أفضل أصدقائه “القهوة”، لكن الأديب هاني السالمي (40 عاماً)، كسر هذه القاعدة رغماً عنه، فالظروف الاقتصادية الصعبة في غزة، غيرت صورة الأديب التي نعرفها.
ولا تزال “القهوة” رفيقة الكاتب السالمي، ولكن بطريقة أخرى، حيث تحول إلى بيع القهوة في شوارع غزة عبر “بسطة” صغيرة، يُرافقه أعزاؤه من الكُتب، ورائحة مشروبه المُفضل يوزعه على المشتريين المتجولين.
“حين تذهب بناتك الأربعة إلى المدرسة بدون مصروف، وتقف عاجزاً عن رد نظراتهن تجاهك، وتفسير عجزك بتوفير القوت اليومي، فالأطفال لا يعرفون أن أباهم كاتب، وأنه بحث كثيراً طوال عمره عن عمل ووظيفة تليق به.. في تلك اللحظة أنسحب إلى مكتبتي وأقوم بتمزيق الكتب، وتكسير كل الشهادات التي حصلت عليها في عالم الأدب”.
هكذا بدأ هاني حديثه لـ”دنيا الوطن”، قبل أن يُعرف بنفسه: “أنا كاتب فلسطيني خريج جامعة الأزهر كلية علوم سنة 2002، منذ ذلك التاريخ، وأنا أبحث عن عمل، ولم يكن متوفر في غزة سوى العمل العسكري، لكن لابد أن تكون منتمياً لتنظيم مسلح لتحصل على وظيفة، وأنا لا أجيد حمل البندقية ولا أحب رائحة البارود الممزوجة بالدم”.
عمل السالمي 3 شهور في السنة بمبلغ زهيد في مؤسسات أهلية، وأحياناً كان يتطوع، وعمل أيضاً عامل نظافة على بند بطالة في بعض الأوقات، كما عمل في البناء والدهان.
يقول السالمي: “كان حبي للكتابة موازٍ لبحثي عن العمل، وقد كتبت وصدر لي إنجازات في عالم الأدب نص مسرحي (الحذاء) المركز الثقافي خانيونس 2007، ونص مسرحي (يلي نحلم) مؤسسة كير الدولية 2008، ونص مسرحي (حوض السمك) للأطفال الشروق والأمل 2010، ونص مسرحي (فقاعات صابون) مسرح الرويال البريطاني 2013، ونص مسرحي (كيلو شهادات) اتحاد المراكز 2004”.
واستطرد السالمي يُعدد إنجازاته الأدبية بحسرة: ” أيضاً رواية للأطفال (ماسة) دار كلمة الشارقة 2015، وقصة للأطفال (الظّل يرقص معي) مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي رام الله 2014، ورواية (هذا الرصاص أحبه) مؤسسة عبد المحسن القطان رام الله 2013 ، ورواية (الجنة الثانية) دار ميم الجزائر 2011م ، ورواية للأطفال (حين اختفى وجه هند) مركز اوغاريت رام الله 2010م وراوية للأطفال (سر الرائحة) مركز أوغاريت رام الله 2009م ورواية (الندبة) الثقافة والفكر الحر غزة 2008، وحصلت على عضوية الاتحاد الكتاب الفلسطيني في عام 2007″.
وكشف السالمي، أنه طرق باب اتحاد الكتاب الفلسطيني، لكنه كان يعاني من مشاكل مالية وإدارية، ولم يستطع خدمته.
حين أُغلقت كافة الأبواب في وجهه، قرر السالمي، أن يفتتح بسطة لبيع القهوة والمشروبات الساخنة، يقول: “كنت أشعر بالخجل في بداية الأمر، وكنت أخفي وجهي حين يمر أحد زملائي وأصدقائي من الكُتاب، لكن الـ 10 شواكل التي أعود بها لمنزلي، وأرى فرحة بناتي حين يحصلن على مصروفهن، كانت تستحق ذلك”.
ويحتفظ السالمي بعدة كُتب تؤنس وحدته أثناء انتظار مشترٍ، لكن ذلك يُعرضه لنظرات الناس التي تتساءل “بائع قهوة على بسطة يقرأ الكتب؟!”.
ومن أحد أشكال معاناة السالمي، عدم قدرته على السفر لتوقيع كُتبه، يشرح قائلاً: “كنت كثيراً ما أحصل على دعوات لتوقيع كتبي في الدول العربية، وخاصة مصر والجزائر والإمارات، لكنني لم أستطع التلبية، لأنني لا أملك ثمن تكاليف السفر، وهناك كتب لم أرها لأني لم أقدر على دفع ثمن التحويلة المالية لإرسال كتبي من الدول العربية”.
فكر السالمي بالهجرة، لكنه يرى أن الصراعات في كل العالم أينما ذهب: “قد تكون الصراعات خشنة كما الوطن العربي، وقد تكون ناعمة في العالم الغربي، لذا قررت البقاء في غزة وانتظار الفرج، عَلّيْ أستطيع سداد دين الذي اقترضت منه لأفتح البسطة”.
وختم السالمي حديثه قائلاً: “كبرنا في غزة، ونحن ننتظر المصالحة، وتوفير العمل للخرجين والمبدعين، أنا لا أكره أحداً، ولا أحمل أحداً ما وصلت به قضيتنا، لكن الوضع في قطاع غزة يحتاج لرجل رشيد ينقذه من الهلاك المحتم، فغزة تموت بكل قطاعاتها، ونحن الكتاب الشباب المبدعون نحتاج لمؤسسة ثقافية توفر احتياجاتنا؛ لتواصل المسيرة الإبداعية، وحمل فلسطين للمحافل العالمية”.